المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين فكرَيْن.. منحرف ومنحل!! - بقلم : ساير المنيعي - الرياض


سعد العذم
07-03-2016, 06:41 AM
الفكر كلمة متشعبة ذات معانٍ ومدلولات كثيرة، كلٌّ يفسرها على حسب تصنيفه وتقسيمه؛ فأرباب اللغة والأدب لهم تقسيماتهم، وأهل الدين لهم تصنيفاتهم، وأصحاب السياسة لهم تفريعاتهم، وذوو الفلسفة لهم تجزيئاتهم، وهكذا...



ومهما تعددت هذه التصنيفات يبقى الفكر منصبًّا حول تَكَوُّنُ الآرَاءِ وَالْخَوَاطِرِ فِي عَقْلِ الإنسان وَبَلْوَرَتُهَا فِي نُصُوصٍ وَتَدَبُّرُ الأَشْيَاءِ بِالتَّأَمُّلِ وَإعمال الْعَقْلِ.



ولسنا هنا بصدد دراسة عن الفكر وتقسيماته، ولكننا نحاول أن نسلط الضوء على مجتمعنا وما يتقاذفه من تيارات، تحمل أفكارًا مختلفة ومتنوعة، وتأثيراتها على هذا المجتمع وأبنائه؛ فلو أمعنا النظر في واقعنا العربي المعاصر لوجدنا أن مجتمعنا تتعاوره ثلاثة أنواع من الفكر: فكر منحرف متطرف، فكر منحل وبين هذا وذاك فكر معتدل.



ولو تأملنا قليلاً في هذا الأمر لأدركنا أن الفكر لا يُجابَه إلا بالفكر، ولأدركنا أن الفكر المنحرف لا يُجابَه بالفكر المنحل؛ لأن كليهما خطر يحدق بالأمة؛ فالفكر المنحرف المتطرف فَهِمَ التدين بطريقة خاطئة، وفسر النصوص الشرعية وفقًا لأهوائه، ومع ما يحقق أهدافه، ويخدم مصالحه الشخصية؛ فخرج لنا بهذه الطوام التي أصبحنا نعاني ويلاتها، وندفع فاتورتها حياة آبائنا وأمهاتنا، وحوّل نصف المجتمع إلى مرتدين، والنصف الآخر لمداهنين لهم!!



والفكر المنحل لا يقل خطورة عن صنوه؛ فهو الآخر فَهِمَ الحرية بطريقة خاطئة، وظن أن العلم والثقافة، والتقدم، والتطور، والحضارة لا تكون إلا بالحرية، وأن الحرية لا تتحقق إلا بالبعد عن الدين، والتملص منه؛ فبدأ ينفث سمومه محاولاً "تمييع" الدين من خلال التشكيك ببعض مصادر العلم الشرعي، وضرب الثوابت والمسلَّمات الشرعية مستغلاً بذلك سيطرته على وسائل الإعلام بأنواعها كافة بطرق عدة، من برامج متنوعة، ومسلسلات، وإعطاء مساحات من الفضاء لأرباب الشبهات ودعاة الضلال، وتلميعهم، وتقديمهم بصورة المفكر المتفتح المستنير!!



وما بين فكرين.. منحرف ومنحل!! ظهرت لنا أمور شاذة بعيدة البُعد كله عن ديننا، وعن عاداتنا، وتقاليدنا؛ فلا دين يقرها، ولا عادات تستسيغها، ولا أعراف ولا تقاليد تعترف بها، بل حتى المجتمعات الأخرى تمقتها؛ فمنذ متى ظهر عندنا تفجير بيوت الله، وقتل روادها، وترويع الآمنين؟!! ومنذ متى أصبحنا نسمع بقتل الأهل والأقارب؟!! ومنذ متى أصبح قتل الوالدين طريقًا إلى الجنة؟!!!!!!!
أي دين هذا؟!! وأي عقيدة هذه التي يعتقدونها؟!! وأي فكر يعتنقون؟!! وأي عقل هذا؟!!! وأي انحراف في الفكر هذا؟!! وأي فتوى هذه التي تستبيح دم الوالدين؟!! وترى أنه جهاد وأنه طريق الجنة!!! أي جهاد هذا؟!! وأي جنة هذه التي ثمنها قتل الوالدين الصائمَيْن المصليَيْن؟!!



إذا كان ديننا الحنيف قد جعل عقوقهما كبيرة من كبائر الذنوب؛ توجب دخول النار إن لم يتب فاعلها، كما أخبرنا بذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- "هل أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...".. بل إنه قرن حقهما بحق الله - عز وجل - وشكرهما بشكره {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير} لقمان(14)، ونهى عن أقل شيء من الممكن أن يؤذيهما حتى ولو كلمة واحدة من حرفين {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} الإسراء (23).
وزيادة على ذلك ربط الجهاد بإذنهما، بل جعله فيهما أولى: (جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يستأذنُه في الجهادِ فقال "أَحَيٌّ والداك؟" قال: نعم. قال "ففيهما فجاهدْ").



بل أعظم من ذلك؛ فقد أمرنا الله - عز وجل - بأن نصاحبهما في الدنيا معروفًا حتى وإن جاهدانا على أن نشرك بالله {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} لقمان (١٥).



هذا دين الله - عز وجل - الذي أنزله على محمد -صلى الله عليه وسلم-، والذي أمرنا بتطبيقه، وارتضاه لنا، وجعل تمامه نعمة أنعم بها علينا {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا} [المائدة: 3].



أما ما جاؤوا به، وما اعتنقوه، وما يدينون به، فلا نعترف به، ولا نعلم من أين جاؤوا به؟!! ولا كيف وصل إليهم؟!! ولا كيف اعتنقوه؟!! ونبرأ إلى الله - عز وجل - من هذا الانحراف، وهذا الزيغ، وهذا الضلال!!



ونرى أنه لا حل لمجتمعنا إلا بالفكر المعتدل الذي يجب أن نجابه به الفكر المنحرف المتطرف والفكر المنحل على السواء.
ويجب علينا جميعًا أن نفكر كيف نحصِّن أبناءنا ضد هذه الأفكار المتطرفة؟!! وكيف نبعدهم عنها؟ ونبحث عن كيفية تأثير أصحاب هذه الأفكار عليهم، ووصولهم إلى بواطن عقولهم، والسيطرة عليها؟!!



والسؤال الأهم: كيف استطاع أناس يبعدون آلاف الكيلومترات إقناع شاب بقتل أقرب الناس إليه في حين أنه بين ظهرانينا، ولم نستطع إقناعه بالبر بهما؟!!!

المصدر

https://sabq.org/T8DbhH