عبدالعزيز السرحان الشمري
12-08-2012, 08:51 AM
خالد طعمة |
لعل ما أشارت إليه تلك الكتب التي أرخت أحوال جنوب السودان في القرن التاسع عشر تثبت لنا سبباً رئيسياً كافياً لقيام (عداوة) بين جنوب السودان وشماله حين تستعرض لنا تعاون بعض أهل شمال السودان مع الرحالة الأوروبيين والمصريين على عمليات الغارات الخاصة بجلب الرقيق القائمة في الفترة من 1885م وحتى 1899م وهي ذاتها التي كان يتولى فيها الحكم التركي (الخديوي) على مصر حينها، إلا أن مراجع أخرى تثبت عكس ذلك السبب (تماماً) لأنه فيما قبل فترة غارات الرقيق تمكن الإنجليز منذ عام 1848م من ممارسة أنشطة غير مباشرة مع سكان الجنوب حتى عام 1899م مع قدرتهم الواضحة على توفير الحماية لأولئك السكان في فترة الحكم التركي للمنطقة إلا أنهم تركوهم في الوثنية والعرقية إلى أن بسطوا سيطرتهم على المنطقة ومارسوا التبشير عليها رويداً رويداً بحملات مدروسة عن طريق الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية حتى أفهموهم بأن العداوة قائمة لسبب غارات الرق والعبودية بمناهج التعليم وبشكل رسمي عام 1927م، أحداث تاريخية كثيرة تبين لنا مدى استرخاص أهل الجنوب وتركهم يواجهون معارك وحروبا وأزمات كانوا في غنى عنها إلا أن المصالح تسيدت بشكل قوي بعد عام 1996م وهو العام الذي تعاونت به الحكومة السودانية مع الشركة الكندية حتى ظهر النفط على أرضها في شهر يونيو من ذلك العام، الأمر الذي جلب عدداً من المهتمين للتعاون بنسب موزعة بين الحكومة وكندا والصين وماليزيا لكي يتزايد الانتاج النفطي بعد أن يئست شركة شيفرون الأميركية صاحبة امتياز استخراج النفط السوداني من فترة 1974م إلى 1984م حيث جمدت نشاطها وخرجت من السودان حتى تمكنت السودان بشركة كونكورب العالمية من تحرير الامتياز عام 1991م وبجهد أولي من حكومة الإنقاذ.
في الفترة اللاحقة للعام 1996م بدأ الخير يتدفق في السودان حتى تضافرت الجهود إلى زيادة إنتاجها النفطي وهو ما تم ليصل من 150 ألف برميل في اليوم إلى 220 ألف برميل في اليوم الأمر الذي دفعهم إلى إقامة مركز لتجميع النفط في إقليم (هجليج) ما زاد حصيلة الانتاج كي يصبح قابلاً للتصدير، وهو الأمر الذي أخذت السودان تسعى إلى تحقيقه كي تصدر النفط علنياً وفي تلك الفترة أقيم مصنع (الشفاء) للأدوية والذي يوفر لعشرات الملايين في السودان وخارجها الأدوية اللازمة المغنية لهم من عملية الاستيراد، ولكن هذا المصنع لم يصمد أمام الصواريخ الأميركية (التوماهوك) في أغسطس عام 1998م، الغارة الأميركية لم تحرم الشعب المسكين من كفاية الأدوية بل حرمت أكثر من ثلاثمئة أسرة من قوت يومها بالاضافة إلى تدمير مصنع مجاور للحلوى! كانت حجة الطرف الأميركي هي أن المصنع كان لدعم التسليح الكيماوي لأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، ولكن مجلة مركز دراسات منع الانتشار الأميركية في عدد خريف عام 1998م نفت أي علاقة للمصنع بالادعاءات التي ذكرت الأمر الذي دفع شركة أميركية متخصصة في حقل التأمين أن تصرح بانعدام العلاقة مع أي جماعة إرهابية، بل أن المتحدث باسم البيت الأبيض مارلين فيتزووتر قال صراحةً بأن السبب في الغارة التي شنتها أميركا هي تغطية فضائح الادارة في تلك الفترة، كما أن السودان رفع قضية إزاء تلك الهجمة وهي التي رد استئنافها حين قال القاضي توماس جريفيث حرفياً : «اذا كان لمبدأ عدم البت في القضايا السياسية من جانب القضاء من معنى في مجالي الامن القومي والسياسة الخارجية، فإن ذلك هو ان المحاكم لا تستطيع تقييم صلاحية قرار الرئيس بشن هجمات على اهداف خارج الولايات المتحدة» وهو الأمر الذي يطرح تساؤلاً بريئاً مستحقاً هو لماذا وصلت القضية إلى مرحلة الاستئناف مادامت خارج تقييم الصلاحية؟
على الرغم من قساوة الأزمة تمكن السودان من تصدير أول شحنة من ميناء البشائر في الشهر نفسه الذي قصفت فيه عام 1999م.
ومع ذلك هاجس ضياع الأمر من أيدي عشاق السيطرة كان يراودهم إلى أن أدخل موضوع إيقاف تصدير النفط الذي أخذ يمنح السودان اكتفاء ذاتياً ومنبعاً كبيراً لها لقيام أنشطة تجارية مرموقة عليها إلى طاولة المفاوضات حتى يجعلنا نتيقن أن الأمر (طمع) وحب شديد (للهيمنة) حتى وصل إلى ماعرف باتفاق جنيف عام 2004م وصولاً إلى منح الجنوب حق تقرير المصير وصولاً إلى الانفصال الذي عرفناه عام 2011م، إن الملف السوداني مثخن بالجراح التي لا تختلف عن جراح بقية الأقطار المسلمة، ولكن نظراً لقرب الحدث فإن عام 2011م كان انطلاقة لما عرف بالربيع العربي فهل الحق الممنوح لأهل الجنوب منح لأهل سورية أو فلسطين وغيرهم أم ننكر عقولنا ونوجه أسئلتنا إلى جورج كلوني؟
[email protected]
@khaledtomaa
http://www.alraimedia.com/Article.aspx?id=398424&date=08122012
لعل ما أشارت إليه تلك الكتب التي أرخت أحوال جنوب السودان في القرن التاسع عشر تثبت لنا سبباً رئيسياً كافياً لقيام (عداوة) بين جنوب السودان وشماله حين تستعرض لنا تعاون بعض أهل شمال السودان مع الرحالة الأوروبيين والمصريين على عمليات الغارات الخاصة بجلب الرقيق القائمة في الفترة من 1885م وحتى 1899م وهي ذاتها التي كان يتولى فيها الحكم التركي (الخديوي) على مصر حينها، إلا أن مراجع أخرى تثبت عكس ذلك السبب (تماماً) لأنه فيما قبل فترة غارات الرقيق تمكن الإنجليز منذ عام 1848م من ممارسة أنشطة غير مباشرة مع سكان الجنوب حتى عام 1899م مع قدرتهم الواضحة على توفير الحماية لأولئك السكان في فترة الحكم التركي للمنطقة إلا أنهم تركوهم في الوثنية والعرقية إلى أن بسطوا سيطرتهم على المنطقة ومارسوا التبشير عليها رويداً رويداً بحملات مدروسة عن طريق الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية حتى أفهموهم بأن العداوة قائمة لسبب غارات الرق والعبودية بمناهج التعليم وبشكل رسمي عام 1927م، أحداث تاريخية كثيرة تبين لنا مدى استرخاص أهل الجنوب وتركهم يواجهون معارك وحروبا وأزمات كانوا في غنى عنها إلا أن المصالح تسيدت بشكل قوي بعد عام 1996م وهو العام الذي تعاونت به الحكومة السودانية مع الشركة الكندية حتى ظهر النفط على أرضها في شهر يونيو من ذلك العام، الأمر الذي جلب عدداً من المهتمين للتعاون بنسب موزعة بين الحكومة وكندا والصين وماليزيا لكي يتزايد الانتاج النفطي بعد أن يئست شركة شيفرون الأميركية صاحبة امتياز استخراج النفط السوداني من فترة 1974م إلى 1984م حيث جمدت نشاطها وخرجت من السودان حتى تمكنت السودان بشركة كونكورب العالمية من تحرير الامتياز عام 1991م وبجهد أولي من حكومة الإنقاذ.
في الفترة اللاحقة للعام 1996م بدأ الخير يتدفق في السودان حتى تضافرت الجهود إلى زيادة إنتاجها النفطي وهو ما تم ليصل من 150 ألف برميل في اليوم إلى 220 ألف برميل في اليوم الأمر الذي دفعهم إلى إقامة مركز لتجميع النفط في إقليم (هجليج) ما زاد حصيلة الانتاج كي يصبح قابلاً للتصدير، وهو الأمر الذي أخذت السودان تسعى إلى تحقيقه كي تصدر النفط علنياً وفي تلك الفترة أقيم مصنع (الشفاء) للأدوية والذي يوفر لعشرات الملايين في السودان وخارجها الأدوية اللازمة المغنية لهم من عملية الاستيراد، ولكن هذا المصنع لم يصمد أمام الصواريخ الأميركية (التوماهوك) في أغسطس عام 1998م، الغارة الأميركية لم تحرم الشعب المسكين من كفاية الأدوية بل حرمت أكثر من ثلاثمئة أسرة من قوت يومها بالاضافة إلى تدمير مصنع مجاور للحلوى! كانت حجة الطرف الأميركي هي أن المصنع كان لدعم التسليح الكيماوي لأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، ولكن مجلة مركز دراسات منع الانتشار الأميركية في عدد خريف عام 1998م نفت أي علاقة للمصنع بالادعاءات التي ذكرت الأمر الذي دفع شركة أميركية متخصصة في حقل التأمين أن تصرح بانعدام العلاقة مع أي جماعة إرهابية، بل أن المتحدث باسم البيت الأبيض مارلين فيتزووتر قال صراحةً بأن السبب في الغارة التي شنتها أميركا هي تغطية فضائح الادارة في تلك الفترة، كما أن السودان رفع قضية إزاء تلك الهجمة وهي التي رد استئنافها حين قال القاضي توماس جريفيث حرفياً : «اذا كان لمبدأ عدم البت في القضايا السياسية من جانب القضاء من معنى في مجالي الامن القومي والسياسة الخارجية، فإن ذلك هو ان المحاكم لا تستطيع تقييم صلاحية قرار الرئيس بشن هجمات على اهداف خارج الولايات المتحدة» وهو الأمر الذي يطرح تساؤلاً بريئاً مستحقاً هو لماذا وصلت القضية إلى مرحلة الاستئناف مادامت خارج تقييم الصلاحية؟
على الرغم من قساوة الأزمة تمكن السودان من تصدير أول شحنة من ميناء البشائر في الشهر نفسه الذي قصفت فيه عام 1999م.
ومع ذلك هاجس ضياع الأمر من أيدي عشاق السيطرة كان يراودهم إلى أن أدخل موضوع إيقاف تصدير النفط الذي أخذ يمنح السودان اكتفاء ذاتياً ومنبعاً كبيراً لها لقيام أنشطة تجارية مرموقة عليها إلى طاولة المفاوضات حتى يجعلنا نتيقن أن الأمر (طمع) وحب شديد (للهيمنة) حتى وصل إلى ماعرف باتفاق جنيف عام 2004م وصولاً إلى منح الجنوب حق تقرير المصير وصولاً إلى الانفصال الذي عرفناه عام 2011م، إن الملف السوداني مثخن بالجراح التي لا تختلف عن جراح بقية الأقطار المسلمة، ولكن نظراً لقرب الحدث فإن عام 2011م كان انطلاقة لما عرف بالربيع العربي فهل الحق الممنوح لأهل الجنوب منح لأهل سورية أو فلسطين وغيرهم أم ننكر عقولنا ونوجه أسئلتنا إلى جورج كلوني؟
[email protected]
@khaledtomaa
http://www.alraimedia.com/Article.aspx?id=398424&date=08122012