للفعل «وَثَّقَ» في معاجم اللغة معان كثيرة منها: القوة، والإثبات، والإحكام، والتيقن، والتأكيد، والائتمان، والتصديق، والاعتماد، ويشهد للشخص بقولهم: «هو ثقة» أي مأمون في قوله وفعله، ومنه توثيق الأمر، أي: إحكامه ، وتقويته، وتثبيته، وتأكيده، أما توثيق المعلومات فهو: تجديد أصلها، والتأكد من صحّتها، ويعني التوثيق في العقود ونحوها القيام بتسجيلها بالطريقة القانونية؛ لتكون موضع ثقة، وتوثيق الموضوع هو دعمه بالدليل وإثبات صحته.
معنى «الوثيقة» معروف، ودلالتها واضحة، وصار استخدامها شائعاً، وأضحت تطلق على كثير من المستندات ذات القيمة المادية أو المعنوية أو التاريخية، ولم تخل بعض الوثائق من خلل التزييف أو الضعف كتلك التي يحملها ذوو «هلكوني» حيث يسميهم الدكتور موافق الرويلي «الكرتونيين» الذين يحملون وثائق من جامعات وهمية، تحصلوا عليها من جامعات وهمية، لعل أشهرها رواجا جامعة «كولمبس» التي كثر بسببها الكولمبساويون، وأضحت دالاتهم المزعومة تتصدر صفحات الصحف، وشاشات التلفاز، وإعلانات التدريب دون رادع رسمي أو اجتماعي.
يعاني بعض الناس من أزمة «هياط»، فهم يحملون أنفسهم أعباء كبيرة، فما الذي ستضيفه له شهادة وهمية؟
وما الذي سيحققه احتفال كبير تهدر فيه أصناف الطعام تفاخراً بحجم الموائد التي يقدمها، ويحرص على تصويرها بكل وسائل التقنية، وربما قيلت فيه الأشعار مسبقة الدفع؛ ليصبح فريد عصره ذكاء وحكمة وشجاعة وكرماً في قائمة طويلة من الصفات؟
سابق الناس الزمن لإقامة احتفالات أعراسهم في الفترة التي تلت الاختبارات قبل أن يطل عليهم الشهر الكريم الذي تتوقف فيه -غالبا- تلك الاحتفالات؛ لانصراف الناس للعبادة، وصعوبة تنقلهم.
تقول العرب: «إن الحديث ذو شجون» ففي الجمعة الماضية أعلنت بعض الصحف الكويتية عن وثيقة جديدة تصدرتها الآية القرآنية الكريمة: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» وفيها أنه اجتمع عدد من رجال قبيلة «الرشايدة» في الكويت، وحددوا ضوابط جديدة للمناسبات الاجتماعية؛ للحدّ من إرهاق ميزانيات الأسر، ومن الأمور التي نالها التحديد: «إقامة حفلات جماعية للخريجين الضباط من أبناء القبيلة، وتحديد فترتين للعزاء تنتهي الأولى عند أذان الظهر، وتبدأ الثانية من بعد العصر حتى المغرب، وإلغاء المساعدة المالية في الأعراس والحفلات النسائية، كما أكدوا على أهمية قصر المناسبات الخاصة على الأقارب وبعض المعارف وألا توجه فيها دعوات عامة».
جاء اجتماع القبيلة -حسب ما نشر- نتيجة لما تسببه هذه الاحتفالات من إرهاق لميزانية الأسر، وكون الأمر يعد إسرافا وتبذيرا يندرج تحت قائمة المباهاة المنهى عنها، وأنه دخيل على المجتمع، فجرت مناقشته كظاهرة سلبية؛ للحد منها، ومنعها عبر ترتيبات خاصة، وكونوا لذلك لجنة خاصة أعلن أمين سرها «مطلق البغيلي» بيان القبيلة أو وثيقتها لوسائل الإعلام.
يبدو أن المشكلات العربية متماثلة فمنذ سنوات أرسل لي صديق أردني عبر البريد الإلكتروني وثيقة تسمى «وثيقة السَّلْط الشعبية» -والسلط هي إحدى المحافظات الأردنية- احتوت على تنظيم أشمل، وهي أوسع من الوثيقة السابقة في تفصيلاتها، ومن ذلك:
– مراسيم الخطبة، وحددت له ثلاث نقاط إجرائية مفصلة جميعها تدعو إلى الاقتصاد والبعد عن المبالغة، وأوصت الوثيقة بأن تبادر أسرة المخطوبة بمساعدة الخاطب بجزء بسيط من التكاليف.
– مراسيم الزواج، واشتملت على عشر نقاط من بينها الحث على حفلات الزواج الجماعية لتقليل النفقات.
– مراسيم الطهور والعماد والتخرج، وقد أكدت على الحد من الولائم، ومنع إطلاق الأعيرة النارية ومكبرات الصوت والتوقف نهائياً عن تسيير أرتال السيارات واستعراضات الشوارع.
– مراسيم الحج، وجاء في خمس نقاط من أهمها إلغاء الولائم الجماعية التي يقيمها الحاج نفسه أو تلك التي يقيمها له الآخرون، وكذلك تقديم الهدايا.
– عيادة المرضى وتهنئتهم بسلامة الشفاء، وجاء فيه الحث على التوقف نهائياً عن زيارة المرضى في المستشفيات، وتأجيل زيارتهم لحين عودتهم إلى بيوتهم؛ لضمان الراحة لهم، وإعطاء الفرصة للأطباء والممرضين الفرصة للعناية المستمرة بهم.
– مناسبات الأحزان، وقد اشتملت على خمس عشرة نقطة مفصلة يتبين من خلالها كم العادات المتراكمة.
– مراسيم إصلاح ذات البين، وجاءت في ست نقاط ظهر فيها ترسيخ لبعض الأعراف القبلية في حل المشكلات، وجرى تعليل ذلك بأن مبدأ الصلح العشائري هو الغاية التي لا بديل عنها في أي حال من الأحوال؛ لضمان الأمن والسلم الاجتماعي.
– توعية الأبناء بالعواقب الوخيمة المترتبة على جرائم العرض، وجاءت التوصية بعدم تهور الأهل، وانجرافهم العاطفي الذي يقود إلى اقتراف جريمة القتل.
وقفة: نعرف مشكلاتنا جيداً، ونعترف بوجودها، ونجاهر بعدم رضانا عنها، ونعجز عن الشروع في الحلول!
المصدر