النفاق كعقيدة وممارسة طارئ على سلوك الإنسان.. والأصل في الناس توافق ظواهرها مع بواطنها حتى تقوم أدلة على خلاف ذلك، والنفاق من حيث كونه إبداء خلاف الباطن والمبالغة في (التطبيل) لبعض الأشخاص يتأتّى وممكن في جميع ميادين الحياة، وتتفاوت خطورته من حيثية موقعه ، فالنفاق الذي يمارس في نطاق ضيق (كدوانية) ومع شخص لا يؤثر في الرأي العام ليس كالنفاق الذي قد يسبب تفشيه إلى قلب حقائق يقينية في نفوس البشر!
الميادين الثقافية كغيرها من الميادين لا تخلو من نفاق سواء نفاق الشخص مع نفسه أو مع الأشخاص كحال الذين يعجبون بكلمة (الفراق قاسٍ) ويبدون فيها ما لا يبديه العربي القح في معلقة زهير بن أبي سلمى وما ذاك لأنها كلمة أتت على حين فترة من البيان وليس لأنها أتت تحمل في طيّاتها من المعاني ما لم يحمله الأوائل ولكن السبب الوحيد الذي طوّق هذه الكلمة البسيطة بكل هذه الهالات هو أن قائلها محمود درويش أو نزار قباني!
فالتعظيم أصبح للأشخاص لا لمحتوى النص كما قال غوته: ( نكتة الغني مضحكة)!.. وهو لا يقصد النكتة بذاتها ولكنه يقصد تفاعل الناس المصطنع ونفاقهم مع هذه النكتة لأن قائلها غني!
والحقيقة أن خطورة النفاق الثقافي تكمن في قدرته على تشكيك الناس في البديهيات وقلبه للحقائق التي لا يتفاوت الذكي والغبي في سرعة إدراكها.. فالإنسان صاحب الذائقة الفطرية الجميلة يفقد الثقة في نفسه ويتهم ذائقته عندما يرى المدائح والموشحات النفاقية توجه لشخص لا يتجاوز ديوانه مرحلة تراكيب الجمل البسيطة ويكاد يخلو من صورة فنية جديدة أو جملة بيانية فريدة وإن وُجد فببركة الانتحال والسطو تحت ذريعة توافق الخواطر ووقوع الحافر على الحافر!
فالواجب على مثقفينا وكل مهتم بالشأن الثقافي أن ينصب اهتمامهم على الكلمة ويكون تقييمهم للنصوص منطلقاً منها ويعود إليها حتى لا نفقد الميدان الوحيد الذي كان الفقير و(عديم الواسطة) يقف في صفٍّ واحد مع غيره دون تمايز بينهم وإن وجد التمايز فبفضل الكلمة فقط!.
تويتر:a_do5y
المصدر