ساير المنيعي
يقول الله - عز وجل - في محكم التنزيل:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون َ} [البقرة: 216]. يغفل الكثير منا عن هذه الآية في اللحظات الأولى لأي مشكلة تحدث له، أو لأي نازلة تحط رحالها في رحابه، لكنه ما يلبث أن يتذكرها، ويدرك مدى حكمة الرحمن حين ينقشع غبار هذه الدويهية التي ألمت به، وتتجلى له الحقائق؛ فيدرك أنه بالفعل كان غافلاً عن الحكمة الربانية من هذه الآية..!!
ولو تذكرنا ما ألمَّ بشرقنا الغالي خلال الفترة القصيرة الماضية من اعتداء آثم وتفجير فاشل في القديح وفي حي العنود، وتدبرنا ما أعقب هذا الاعتداء الآثم من ردة فعل من كل أطياف المجتمع السعودي، لعرفنا ولأدركنا تمام الإدراك المعاني السامية لهذه الآية الكريمة؛ فما حدث من إنكار من المجتمع بجميع أطيافه لهذا الفعل الجبان الذي استهدف دور العبادة، وروّع الآمنين، وما أظهروه من ترابط وتكاتف، ووقوفهم صفاً واحداً في وجه العدوان، لهو أكبر دليل على تحقق {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ...}.
فلا أظن أنّ أحداً منا لم يكره هذا التفجير ويمقته وينكره.. ورغم كرهنا له وجزعنا منه إلا أنه أظهر لنا خيراً كثيراً، يتمثل في الكشف عن عِظم ترابط هذا المجتمع، وقوة تلاحمه، ومدى وحدته الوطنية، وحبه لتراب هذه الأرض الطاهرة.. وبيّن مدى شموخ هذا الوطن وعزته، واعتزازه بأبنائه الذين ضربوا أروع الأمثلة بتلاحمهم، وتكاتفهم، وتعاضدهم، وإصرارهم على صد العدوان، ورد كيد أعدائهم في نحورهم، وإفشال مخططهم الهادف إلى ضرب اللحمة الوطنية، والنيل من أمن هذا البلد واستقراره، ودق إسفين الفرقة بين أبنائه.
فالهدف بات واضحاً، والمخطط أصبح مكشوفاً؛ فلم يكن الهدف سُنة أو شيعة.. بل كان الهدف الوطن، ومحاولة زعزعة أمنه، ولم يكن المخطط ضرب السُنة أو الشيعة.. بل كان المخطط ضربهم ببعضهم، ومحاولة جرهم لحرب طائفية.. تتحول إلى حرب أهلية.. تأكل الأخضر واليابس.. وتدمر وطننا.. فيصبح أثراً بعد عين.. وتدمر كل منجزاتنا، وتقضي على كل مقدراتنا.. فيعم الدمار، ويحل الخراب.. وينعق ناعقهم.. وتأخذ دور البلبل بومتهم.. ويتراقصون طرباً على جراحنا.. هكذا كان مخططهم.. وهكذا أرادوا لنا..!!!
ولكنهم نسوا وغفلوا عن قوله تعالى:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [سورة الأنفال: آية 30].
فرد الله - عز وجل - كيدهم في نحورهم، وفشل مخططهم، وأظهروا مدى حقدهم وكرههم لهذه البلاد المباركة، ومدى ضحالة تفكيرهم، وقلة وعيهم، وعدم إدراكهم لحقيقة هذه البلاد، ومدى التلاحم بين أبنائها.
وهذه أعظم رسالة وجهها أبناء وطننا المعطاء للعالم بأسره، ولكل من تسوّل له نفسه النيل من وحدتنا الوطنية، أو محاولة زعزعة أمننا واستقرارنا.. بأننا أبناء وطن واحد، نفتديه بأرواحنا، وبأننا ندرك تماماً أنَّ (وَحْدَتُنَا هَدَفُهُمْ.. فَخَابَتْ مَسَاعِيهُمْ).
المصدر