عندما بدأت أنشر مقالاتي في جريدة القبس الغراء، كان ولا يزال السبب الرئيسي لذلك هو الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية، ونشر ما يفيد القارئ الذي أؤمن بأنه عنصر فعال في المجتمع المدني الحديث، قصدت «القارئ». فكنت وما زلت أشعر بالالتزام والمسؤولية نحو الاستمرار بنشر مقالات هادفة. ففي هذا المقال أعتذر للقراء الكرام، لأن هذا المقال لن يحتوي على قضية اجتماعية أو رأي سياسي أو حتى انتقاد لوضع الكويت الساكن بلا حركة منذ زمن بعيد، فقد أصابنا الملل من الوضع البائس، بل إنه مقال أمليت فيه جزءا من المسؤولية التي تشعرني بالذنب لبعدي عن الكتابة لفترة طويلة.
هو اعتذار عن التأخر في النشر، ليس بسبب عدم المبالاة، إطلاقاً، بل لانني تهت عندما أبحرت بقاربي الصغير المتواضع في محيطات الأدب الروسي الجريء. فعندما دخلت هذا الأدب، من خلال أعظم كتّابه، شعرت بأن هناك محطة في حياتي يجب أن أقف فيها. وعندما وقفت فيها شعرت بالعجز عن الكتابة الاعتيادية، فتوقف قلمي عن استنزاف الأفكار من عقلي، وكأنها تجمدت، وخشيت أن أقسو عليها فتتهشم وتنكسر، فأصبح حينها فقيراً. فارتأيت أن أستسلم عن المحاولة عارفاً بالأسباب.
وقد كنت في أحيان كثيره في حالة «نقد ح.دي»، فكلما كتبت شيئاً نقدته بنفس الوقت فمزقت الورقة، فعرفت أنه قد أصابني شيء من ذاك الأدب الساحر الذي قد تملكني.. فطويت ورقتي ووضعت قلمي احتراماً له وتقديرا.
نحن كلما قرأنا اكثر توسعت لدينا المدارك، فدائماً عندما يرجع الكاتب إلى ما كتب سابقاً فينقده حينها، يعلم أنه في تقدم فكري مستمر. نقد النفس هو تعبير للتطور، فهذا هو مقياس الإدراك لدى الفرد. فاسمحوا لي انقطاعي عن النشر للفترة التي مضت، فالأدب الروسي ليس بالسهل، أجبرني على الوقوف في محطته عندما رأيت قامته الشامخة. يعجز قلمي أن يعبر عن هذا الأدب. فتجربة الإبحار في محيطاته فريدة ونادرة من نوعها تختلف عن أي ثقافة أخرى. وأشعر أنني ملزم أن أقرأ، لانني إذا لم أقرأ، فحينها اكون قد حكمت على نفسي بالمؤبد، وعلى فكري بالإعدام.
عبدالرحمن الهداد الشمري
المصدر