نبتت منذ البداية، بعد أول تجربة انتخابية لمجلس 1921 التشريعي، ومبايعة أسرة الحكم بطريقة قل نظيرها في محيط كان السائد فيه هو ثقافة “السيف والمنسف”، بذرة الحرية والمشاركة من أناس بحثوا عن كرامة الإنسان في أرض خلت من أدنى مقومات الحياة، إلا أنها تمكنت بتوفيق الله وإرادة شعبها وكفاحه وتغليبه للغة الحوار والتسامح والانفتاح على العالم من تقديم تجربتها الفريدة.
فقد أبحر السندباد الكويتي يجوب البحار، ولم يكن يحمل في جعبته البضائع فحسب، بل حمل معه تجارب الإنسان والمعرفة وخبرات الصحراء التي أناخ الأمان فيها بكل صفاء، حيث تلاقى بحب مع أرض العطاء، وأي عطاء إنه عطاء الحرية والمشاركة.
وهكذا عاشت الكويت بين شد وجذب داخلي وأطماع خارجية، حتى أتى عهد أمير الكويت الراحل عبدالله السالم (أبو الدستور)، رحمه الله، الذي تم في عهده انتخاب مجلس تأسيسي من الشعب ليكفل للشعب أن يكتب هو بنفسه دستوره، وليصدق عليه الأمير الراحل دونما تعديل احتراما لخيار الشعب، وهي خطوة هائلة حينما نعرف أن أغلب الدساتير التي كانت تكتب حتى هذا الوقت كان يتولى أمرها الأنظمة دون أدنى مشاركة من الشعب.
وكان المهم هنا هو تطبيق المواد الواردة في الدستور، خصوصاً تلك المادة المتعلقة بتعديل الدستور نفسه، بأنه لا يجوز تعديل الدستور “إلا لمزيد من الحريات”.
وهكذا انتقلت الكويت إلى عهد الحريات والقانون والمساواة وفصل السلطات والحريات الشخصية والمجتمع المدني.
وبدأت الحياة السياسية في التراجع والنكوص عن عهد الدستور، ورغم أنه لا يمكن إغفال بعض الإنجازات والنجاحات التي تحققت فإنه لا بد من وقفة مراجعة للحفاظ على مكتسبات الشعب والوطن وتعزيز “المواطنة”.
ونعتقد أنه بات من الضروري الآن الدفع إلى سن قانون تكوين الأحزاب وإشهارها وتنظيمها في الكويت، وقد يكون هناك رافضون للفكرة بصورة مطلقة حكماً على التجارب العربية، إلا أن الرد على ذلك بسيط لأن الأحزاب العربية نشأت في الغالب على أساس عائلي أو طائفي أو شوفيني، أما ما ندعو إليه هنا في الكويت فهو يركز على إنشاء أحزاب تؤسس استناداً إلى برامج علمية ووطنية تخدم المواطن والوطن، وأن تكون برامجها معروفة ومعلنة ومصادر تمويلها تأتي من اشتراكات أعضائها وعلنية ومعروفة بكل شفافية. وهنا يكون الخيار للناخب الذي عليه أن يحدد نوعية المشاريع التي أدرجها الحزب في برنامجه وما أنجز منها، وهل يستحق مكافأته بإعادة انتخابه مرة أخرى، أم تتم معاقبته ومحاسبته بعدم التصويت له؟ وبذلك يتحقق للمواطن المحاسبة الحقيقة له من أجل تسهيل حياته ورفاهيته والحفاظ على مكتسباته.
وينبغي أن يمنع القانون المقترح أن يتم إنشاء أي حزب على أساس قبلي أو طائفي، وأن يتم ذلك في مناخ حر شفاف… فلا حياة حزبية بلا حرية.
هي بحق فرصة ودعوة للتفكير بجدية… ومثلما قيل في المأثورات العربية أرى أنه “قبل أن تتحرك أقدامنا، يجب أن تتحرك عقولنا وتعرف نتيجة الخطوة القادمة”.
المصدر
: صحيفة شمر الالكترونية - الأحزاب في الكويت… هل جاء وقتها؟ بقلم : محمد خلف الجنفاوي - مقالات