بسم الله الرحمن الرحيم
في معركة الجوف الثالثة عام 1308هـ وهي في الحقيقة لم تكن معركة بالمعنى الحقيقي
الا أن تجهيزات المعركة قد حصلت وتحرك جيش كبير من حائل مكون من أربعين ألف مقاتل بينهم الف فارس (1) بقيادة الأمير محمد بن عبدالله آل رشيد ضد قائد الفيلق التركي اللواء محمد سعيد
حيث تدور أحداث القصة بأن أهالي الجوف الكرماء راسلوا الباب العالي وكاتبوا السلطان العثماني بأن يدخلوا تحت حماية العثمانيين مباشرة وينقلبوا على حاكمهم ابن رشيد وكان هذا التدبير وراءه رجل يقال له ( قمعان ) من رؤساء قبيلة بني صخر كما أشار له راوي القصة فهد المارق المعروف بفهد المارك في كتابه من شيم العرب في الجزء الثالث من قصص الشجاعة الحربية الصفحة 844
حيث وافق السلطان بكل سرور على طلب الأهالي والذين يفضلون في الحقيقة الاستقلال عن الحكام والشيوخ الذين وقعوا بين فكيهم فابن شعلان وابن رشيد الذين تناوبوا على حكم الجوف في فترات معينة مما إضطرهم على هذه المحاولة الجريئة
وبناء على هذا الطلب وجه السلطان العثماني اللواء محمد سعيد بقيادة فيلق عثماني إلى منطقة الجوف عام 1308هـ وكان وقتها الامير محمد بن عبدالله آل رشيد هو حاكم نجد الكبير بلامنازع
فرأى أن يتحرك ضد هذا الجيش الجرار الذي ينازع كرامته ويهدد ملكه
أقام الجيش العثماني قرب الجوف وتحرك ابن رشيد بقواته لكنه وصل بعد الاتراك
قام الامير بمراسلة القائد العثماني والذي دخل بقلبه الغرور من قوته فرد ببرود على الرسالة أنه سيكون لنا موعد وسننظر بالأمر بدون تحديد الوقت والمكان , أحس القائد المحنك ابن رشيد بأن اللواء العثماني يتلاعب بأعصابه بتكبره هذا مما إضطره ردعه بطريقته الخاصة فقام بإستعراض عسكري مهيب وقام الفرسان بإستعراض معركة وهمية تطارد الفرسان خلالها أمام القوات التركية وهم ينظرون الى هذا المنظر الرهيب وسط أصوات الفرسان في كر وفر وبعدها جاء الهجانة وأدوا دورهم ثم جاء المشاة وتحركت الارض من تحت هذا الجيش العرمرم وتحركت معها قلوب الترك خوفا وهلعا من هذا المنظر العجيب والذي إمتزج بصيحات الحرب وصهيل الخيل فكانت حربا نفسية أدارها الأمير محمد العبدالله آل رشيد بكل حنكة لإجبار العدو للرضوخ للأمر الواقع
بعدها بدقائق أرسل اللواء العثماني قائد الجيش الى ابن رشيد رسالة مفادها تحديد الوقت والمكان بأقصى سرعة بعدما شاهد الاستعراض العسكري جاء رد ابن رشيد ان الموعد في الوقت الفلاني فاجتمع الاثنان معا وتقابل جيشيهما
تبادل القادة وجهات النظر بما ان القائد التركي يتحدث العربية فسهل على ابن رشيد الحديث معه حيث يريد ان يفهمه أن هذه فتنة سعى بها الواشون لكي تقوم الحرب بيننا وأن على القائد التركي الرجوع من حيث أتى وأن ابن رشيد ليس عدوا للسلطان العثماني كما أن نجد ومعها الجوف تحت سلطته وحمايته
وهما في هذا الحديث واذا بأحد الضباط الفرسان يتحرك نحو جيش ابن رشيد بدون أوامر من قائده وبكل وقاحة اقترب من جيش حائل وقام بإطلاق النار من بندقيته فوق رؤوس الفرسان في حركة أشبه بالتخويف والتحدي في آن واحد وكأنها بداية للمعركة الفعلية
لقد اعطى ابن رشيد أوامره سابقا بأن لايتحرك أحد من مكانه حتى ولو أطلق الجيش التركي النار عليهم وحركتهم تكون مرهونة بإشارة منه
كان الجو يغلي غليانا من حركة هذا الفارس التركي حينما أحس جيش ابن رشيد أن كرامتهم أهينت بهذا الفعل ومن فارس تركي قادم الى ديارهم
أفرغ الضابط التركي جميع الرصاص من بندقيته وذهب يتبختر أما الجيوش المصطفه وجها لوجه
فما كان من أحد فرسان شمر( 2 ) والذ أحس بشي من الاهانة إلا أنه لم يتمالك نفسه وتحركت في داخله النخوة العربية الغير مستغربة على كل عربي
لم يتمالك هذا الفارس الشمري أعصابه في هذه الساعة وأحس أن واجبه قد حان فهجم كالأسد الهائج على فريسته عندها كان الضابط العثماني اقترب ليأخذ مكانه بين زملاءه المصطفين الذين فرحوا هم ايضا بشجاعته
سل فارسنا سيفه وضرب الفارس التركي قبل أن يدخل جيشه ضربة حاسمة جاءت ردة فعل قوية لحركة هذا الفارس التركي والذي اغاض الجميع بها وكأنه استحقار للعرب كون الاتراك لهم السيطرة وبيدهم الخلافة
لقوة الضربة انقسم جسم الفارس الى نصفين نصفه الأعلى سقط على الأرض والنص الاسفل بقى على جواده فدخلت فرسه الى الجيش ولاتحمل إلا رجلي فارسها اليمنى واليسرى
ومضى هذا الفارس الشمري الى جيشه في نشوة النصر والاحساس برد الكرامة العربية والذي أثار حماسة زملائهم الفرسان وتشوقهم الى الاحتذاء به في جو كهذا
في هذا المنظر المذهل وخاصة للجبناء ارتعش كل من كان قريبا من الحادثة ودخل الرعب قلوب الأتراك وخاصة قائدهم
الذي نظر الى الأمير محمد بن رشيد فرد عليه الأمير بأن هذه الحركة ردة فعل طبيعية من فرساننا على حركة فارسكم الذي بدأ بالشر دون أخذ الإذن منكم ولم يأخذ لنا ولفرساننا أي إعتبار وهناك الكثير من هذه النوعية داخل صفوف جيشنا ينتظر الاشارة منا بفارغ الصبر
فقرر القائد العثماني الانسحاب لكن بطريقته الذكية حتى لايثير الرأي العام حوله ويظن الجميع أنه عاد خائبا أو عصى أوامر السلطان
قرر القائد العثماني بأن يدفع كل شخص من أهالي الجوف ضريبة لقاء حمايتهم فكان رد الاهالي سلبي لأنهم لايريدون الدفع للعثمانيين والافضل لهم ان يبقوا تحت حماية امير عربي كابن رشيد ويدفعون زكاتهم له
رفض الاهالي الفكرة ففرح القائد التركي لآنها نجحت فانسحب في الحال ومعه العذر الجاهز للسلطان العثماني وعرف أن القصة مجرد مكيدة من بعض اعداء ابن رشيد بعدما تأكد له ذلك
ثم قرر ابن رشيد وضع ممثل له في الجوف (جوهر العنبر) واستقرت الأوضاع الى فترة معينة
وقد أخذ المؤلف فهد المارق هذه القصة من راويها المعاصر للحدث سلمان ابن رشدان حيث كان من ضمن جيش ابن رشيد وبقي مع القوة التى بقيت في الجوف اثناء انسحاب الفيلق العثماني
.......................
ملاحظة
( 1 ) في الحقية العدد مبالغ فيه وربما الصحيح اربعة الآف
(2) ذكر المؤلف نقلا عن راوي القصة ان الفارس الذي قتل الضابط العثماني هوالفارس راضي ابن جدي وقال ايضا في الشرح انه من المفضل
ان كان يقصد راضي بن جدي الأول فهو لم يعاصر الأمير محمد آل رشيد وإن كان اسم على اسم الأول فربما وربما يكون من الجدي لكن ليس بهذا الإسم واختلط على الراوي أو ان الاحتمال الاخير ربما يكون فعلا اسمه راضي بن جدي من المفضل
لكن المهم انه من قبيلة شمر ورد كرامة العرب بشجاعته الباهرة
رحم الله أسلافنا
.
كتبه بتصرف
نايف الصنيدح
23-1-1433هـ