العمل أو الوظيفة - كما نسميها - مصدر رزق للكثيرين في شتى بقاع الأرض، بل إنها مصدر الدخل للأغلبية الساحقة من بني البشر. والأجرة أو الراتب الذي يتقاضاه الموظف في نهاية كل شهر هو القوت الذي تقتات منه الأسرة. وهذا الموظف ينتظر نهاية الشهر بفارغ الصبر؛ لذا كان لزامًا على كل الأنظمة أن تجبر الوزارات، والشركات، والمؤسسات على صرفه في مواعيده المحددة دون أي مماطلة أو تأخير، وبالأخص في بلادنا الإسلامية انطلاقًا من حديث المصطفى (ﷺ): "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه".
فماذا يحدث عندما يتأخر هذا الراتب؟ بلا شك إن الكثير منا - إن لم نكن كلنا - قد أصابنا ما أصابنا من ضيق، وهم، وغم، وتذمر، وسخط، ومن حاجة، ومن... ومن... إلخ.
كل هذا حدث وأكثر ونحن نستلم آلاف الريالات، وبعضنا يستلم عشرات الآلاف..!! والمسألة مسألة تأخير فقط..!! أجل، ماذا يفعل العامل المسكين الذي لا يستلم إلا بضع مئات من الريالات..؟!! وتتأخر عليه في أغلب الأحيان..!! وأحيانًا يُحرم منها أشهرًا متوالية..!!
سبحان الله.. ضقنا ذرعًا بتأخر رواتبنا أيامًا معدودات، وملأنا العالم صياحًا وعويلاً، وأمطرنا وسائل التواصل الاجتماعي بسيل عرم من المقاطع، والرسائل، والحكايات.. وعبأنا الصحف بالقصص، والمقالات..!! كل هذا لمجرد تأخير..!!
وكأننا فريدو زماننا في هذه المصيبة، وغابت عن أذهان بعضنا هذه الآية الكريمة التي خاطب الله -عز وجل - بها عباده قائلاً: {... وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
فلو أننا عدنا إلى هذه الآية، وقرأناها بتمعن، وتأنٍّ، واستشعرناها جيدًا، لأدركنا ما فيها من عظة، وعبرة، وحكمة بالغة، بل لأدركنا حكمًا كثيرة من تأخُّر الرواتب، يطول بنا المقام لو حاولنا سردها والحديث عنها، ولكن يكفي أن نذكر بعضًا منها على سبيل المثال لا الحصر. فمنها مثلاً الإحساس بالفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يقتاتون به، ومنها الإحساس بما نحن فيه من نعمة عظيمة؛ فنحن لدينا عمل، ولدينا مصدر دخل، وغيرنا ليس لديه لا عمل ولا مصدر دخل..!!
ومنها أيضًا استشعار ما يعانيه من يعملون عندنا من تأخر رواتبهم؛ فنبادر بتسليمها لهم فورًا، ولا نؤخرها بعد ذلك. ومنها إعطاء الحقوق لأهلها، وعدم غمط الناس حقوقهم. ومن أهمها إحساس بعض المسؤولين عن شركات تؤخر رواتب عامليها بالشهرين والثلاثة دون حسيب أو رقيب.. فقد ذاق هذا المسؤول مرارة تأخُّر الراتب؛ فلن يسمح لهذه الشركات بعد اليوم بتأخير رواتب موظفيها - بإذن الله -. هذه بعض الحِكم الظاهرة التي يحسها الجميع، ويدركها الكل.. فقط كنا بحاجة لتذكير.
وهناك حكمة بين السطور.. يتغافل عنها بعضهم، ويتناساها؛ فنقول له: ضقت ذرعًا بتأخر راتب..!! فكيف الأمر بلا راتب أصلاً..؟!!
غضبت ممن أخَّر الراتب، وأنت تنعم بأمن وأمان..!!! فكيف الأمر بلا راتب أو بلا أمن وأمان..؟!!
اللهم احفظ بلاد المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والدين، واكفنا كيد الكائدين، وقنا شر الحسد والحاسدين.. يا رب العالمين.
https://sabq.org/gZQSCV