أولاد الشوارع - بقلم : منى الشمري
قبل نصف قرن كان لفظ "أولاد الشوارع" شتيمة بالغة الإساءة في الشارع العربي، حيث تفضي إلى ما يعني بقلة التربية والأدب في أفضل حالاتها أما أسوأها فتعني اللقطاء، ومع الزمن تتغيّر مفاهيم المصطلحات في المعجم الشعبي وتتطوّر لتعيد تصدير نفسها بشكل مغاير، حيث تخرج عن مفهومها الاجتماعي الضيق إلى المفهوم السياسي الأوسع، ولتصبح أكثر تعبيرًا عن طبيعة التغيرات في زمن الربيع العربي وأكثر مواءمة للثورات الشعبية التي تقلب الأنظمة الدكتاتورية، حيث يعتصم في الشوارع والميادين أبناء البلد الشرفاء والمحترمين جدًا، من الأكاديميين والمهندسين والأطباء والعاملين في كل الحرف والمهن، والبسطاء الحالمين بوطن ينصفهم، فيسكنوا الشارع ويخرجوا في مظاهرات ومسيرات رفضا للفساد بكافة أشكاله، ويقودون الحراك الشعبي ويطالبون للأمة بحقها في وطن حر، وتصورات مختلفة عن العدالة الاجتماعية، وشروط جديدة لمواطنة حقيقية تصب في حقوق الإنسان وخدمات صحية تعتني بقيمة الفرد وتعتبره ثروتها الحقيقية وليس رقمًا فائضًا عن الحاجة، و تعليمية تعتني بصناعة الإنسان وتراهن عليه، بعد إطلاق قطار التنمية المعطل بسبب اللصوص الذين استولوا على كنوز قاطراته، والحال في دول النفط ليس أفضل حالا من شقيقاتها، فالظروف السياسية تتشابه وسقف المطالب الشعبية يرتفع يومًا بعد يوم، فالسيادة للأمة والدور الإقليمي من بطولتها والأمن القومي صمام أمانها وحين يتعرض كل هذا للانتهاك فمعنى هذا إن الديمقراطية صورية وإن عقلية الأنظمة الحاكمة لاتزال تنظر لمصدر السيادة تلك النظرة التقليدية التي سقطت بالوعي السياسي وهي إنها رعية في حال رضت عنها وفي حال سخطت حولتها رعاع وغوغائيين وأولاد شوارع يسببون قلقا مشحونا بالتوتر لها لإن أسلحتهم أبسط من أن تدخل نطاق السيطرة فتكفي دعوة على تويتر في زمن العولمة تدعو للعصيان والرفض لتسقط الحواجز وتحشد لها أطياف شعبية فتستعين السلطة بأبواقها الإعلامية التي تشتم المعارضين وتصفهم "أولاد شوارع " بينما الشعوب العربية والخليجية الآن تعتبر هذه الشتيمة وسام على صدرها وتفخر إنها من الشارع أطلقت كلمتها، ومن الشارع نفذت إرادتها ومن الساحات والميادين ستغير المستقبل، فالبقاء ليس للأقوى ولا للأذكى إنما للأكثر استجابة للتغيير والأقدر تكيفا معه، وللأسف إنه ليس لدينا في الخليج على سبيل المثال مراكز بحثية تعتني بدراسات مستقبلية تقارن وتقارب لتنبؤات موسمية لنحصد ما ستكون عليه المنطقة بعد خمس أو عشر أعوام مقبلة، وفق قياس المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ستمنحنا مؤشرات وإصلاحات شعبية واسعة، فنحن في زمن الشعوب والأمم وليس زمن السلطات والدكتاتوريات والعالم العربي يشهد تساقط الطغاة، والسلطة الغافية الغافلة هي من تصور الأمر على إنه نزاعات مؤقتة وحال من الفوضى، والمستقبل بيد التغيير، والنظرة التشاؤمية إن العرب ظاهرة صوتية وإنهم سيبقون خارج الزمن كلاما غير دقيق ويندرج ضمن المكابرة السياسية، فالشعوب العربية لم تعد خانعة نائمة في شرنقتها، بل حلقت عاليا للضوء والحرية وودعت العبودية وترفض فتات السلطة وستثبت الشعوب العربية إنها صنيعة الشارع الذي سيغير خريطة العالم وإن أجراس الخطر التي قرعها " أولاد الشوارع " لن تتوقف عن الرنين وإن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة كما قال ماوتسي تونغ، أما الأنظمة الحاكمة إن لم تنصاع لمطالب أبناء الشارع فستظل تكرر " كوميديا الأخطاء " كما وصفها شكسبير حتى تجد نفسها أمام المشهد التراجيدي الذي سيبكيها طويلًا.
المصدر