اطلاق مسمى السلطة في الزمن والظروف التي قال فيها غاندي: «كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن»، يذهب بأذهاننا - أو بالأحرى ذهني ومن يوافقه في مسارات تفكيره - إلى معناها الضيق، وهو حكومة «الاحتلال»، وهذا ما يجعل المناقض لمن يقف مع السلطة واقفاً - إلى حد كبير - مع الوطن.
أما في زماننا هذا فترديد الكثير منا لمقولة غاندي تلك من دون محاولة التمييز بين الزمان والظروف التي قيلت فيها، دليل على قصور النظر، فالظروف، والزمان الذي قيلت فيه هذه العبارة، قد تصحح ضيق العبارة بجعلها الناس صنفين، صنفا يدور في فلك السلطة، وصنفا يدور مع مصلحة الوطن. أمّا في زماننا، فالصحيح أن يقال: «كثيرون حول «مصالحهم» قليلون حول الوطن»، فجعل الالتفاف حول الوطن في زماننا هو النقيض للالتفاف حول السلطة فيه مجافاة للواقع.
ففي زماننا لم يعد تحقيق المصالح الشخصية مقروناً بالدوران مع السلطة كما هي الحال في زمن غاندي، الذي كانت سلطة «الاحتلال» تحتكر فيه المناصب والمال، ويجد فيه المناوئ لها الأمرين من العذاب والتنكيل، فالآن يستطيع مدّعي المعارضة أن يحقق من الثراء والمكاسب المادية والمعنوية أضعاف ما يحققه من يدّعي الموالاة للسلطة!
ولنا في واقعنا السياسي شاهد حي، فكثير من مدّعي المعارضة لدينا يدورون مع مصالحهم التي ارتبطت بمسار يناقض مسار السلطة، ولم يعد ادّعاؤهم الحرص على الوطن يستر حالهم، الذي تتابعت الأحداث على كشفه حتى لم تدع لنا شكّاً في كذب دعواهم.
فترويج كثير من أدعياء المعارضة لدينا لمفهوم «كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن» لايهام الجماهير بأن الوقوف ضد السلطة هو وقوف مع الوطن، هو محاولة فاشلة لمدعي المعارضة لاستغفال الجماهير حتى تتسنى لهم إطالة أمد نضالهم المزعوم الذي يدر عليهم من المنافع المادية والمعنوية ما لا تدره عليهم موالاتهم للسلطة.
وهذا لا يعني أنه ليس هناك من عارض بنوايا حسنة وحرصا على الوطن، ولكنه مع الأسف لم يحاول تمييز نفسه عن معارضة بات الدوران مع مصالحها أبرز سماتها فغاب المحسن فيها بين ركام الفاسدين!
المصدر
http://www.alqabas.com.kw/Articles.a...8595&CatID=807