نضال الحناجر! بقلم : عبدالكريم دوخي الشمري
ارتبط اسم النضال في أذهان الناس بالكفاح المادي والذود عن الأوطان وتقديم الأرواح في سبيل إعلاء كلمة الله والحصول الحرية والحياة الكريمة، ولم نرَ ونسمع ونقرأ عن سيرة رجل استحق اسم مناضل وهو جالس على الهواء البارد وكان كل رصيد نضاله بالكاد يصل إلى (كم خطبة!).
ولكن في المناخ السياسي الكويتي- المليء بالعجائب والغرائب والذي لم يكتفِ بقلب الحقائق الماثلة أمام الجماهير حتى زحف على عقولنا ليعيد ترتيب قناعاتنا ويعصف بالمسلمات لدينا لنعيد قراءتها من جديد- أصبح هذا الشيء مقبولا،ولا أذيع سرا عندما أقول بأنه استطاع قلب المعاني في أذهاننا إلى حد كبير!
أقول هذا الكلام متعجبا ومستغربا من الأوضاع السياسية الحالية التي أصبحت البطولات فيها توزع على كل من هب ودب ،وأصبحت كلمة مناضل مرادفة عند كثير من الناخبين لكلمة نائب!
فالكويت البلد الوحيد الذي يصبح فيه الإنسان رمزا ومناضلا دون أي جهد يُذكر، ويصبح حبه عقيدة- والعياذ بالله- يوالى ويعادى عليه، ونقده جريمة يعاقب عليها الجمهور وليس القانون!
اظن بل أجزم أن الكثير من القراء ذهبت أذهانهم إلى أنني أقصد بالمقال نائبا معينا ،لأن التدخل في النوايا وتحميل الكلام ما لا يحتمل من أبرز عناصر التحليل السياسي في الكويت، ولكن الحقيقة أنا لا اقصد - نائبا معينا - وإن كان لي عتب على بعض محبي النواب الذي بيتوا تهمة الخيانة والانبطاح إلى كل ناقد لنائبهم المفضل دون النظر إلى الأسباب والدوافع.
ولكن أنا في هذا المقال أرصد ظاهرة تفشت لدينا ولا تخفى على أدنى مراقب للوضع السياسي ،فالناظر في حال الجماهير مع الأعضاء يرى بأن كل الأعضاء مناضلون في أعين ناخبيهم ويضفون عليهم هالة من القداسة ،وإن لم يسموهم بلسان المقال فقد سموهم بلسان الحال!
ولو أردنا أن نجازف ونبالغ ونجامل نقول بأن ثلثيهم لا يستحقون أن يكونوا-كِسرة- مناضل، فالنضال الحقيقي هو النضال من أجل قضية مشتركة تشغل المجتمع ككل وليس جماعة أو حزبا بعينه، والمناضل الحقيقي الذي يعمل للصالح العام وإن كان الرأي العام يخالفه فهو بالنهاية لا يهمه ماذا يسميه الناس إن كان يرى نفسه فعلا يسير في الطريق الصحيح في نضاله عن قضيته.
ونحن في الحقيقة باستعجالنا في تتويج كل من هب ودب بالأوسمة الوهمية والألقاب الفضفاضة نقتل مواهب النواب في مهدها ونضعف عزائمهم ولم يشتد عودها بعد!
فالنائب الذي يجد أكثر من حوله يطبلون له لا يستطيع ترك ما هو عليه وإن كان في قرارة نفسه موقنا بأنه مخطئ، فنوابنا مع الأسف كثير منهم لا يسير وفق قناعاته وإنما الذي يدفعه نحو التحرك رغبة الجمهور ،وهذا وإن كان نوعا من رد الجميل لمن اوصلوه ولكن بالنهاية لابد من حث الناس على ما ينفعهم وليس ما يريدون ، فليس كل ما يريده الناس يكون نافعا فكثير من الناس لا يمتد نظره إلى أبعد من أرنبة أنفه، فمثل هؤلاء حبهم وتلقيبهم للنواب الموافقين لرغباتهم لا يغير من حقيقة النواب شيئا ،والواجب على النواب أطر الجماهير على الحق أطرا إن كانوا مناضلين حقا ويهمهم الصالح العام وليس الخاص الذي لا يتعدى محيط المناضل الشخصي!
المصدر